صدف عديدة ومميزة جمعتني مع الراحل الأستاذ عبدالله حجازي؛ كانت محطات للتعلم منه الصبر والهدوء والحزم، جمعتني معه صداقة الأستاذ بالتلميذ وأمل أن نجتمع معه في جنان النعيم.
منها عندما كان – رحمه الله – مديرا للإعلام في وزارة التربية والتعليم، زرته في مكتبه ذلك المتواضع، وتشاء الصدف أن اشغر مكتب مدير للعلاقات الثقافية، تفقدت المكتب وكمّ تأثرت عندما وجدت علاقة جاكيته في نفس مكتبي.
ومنها أيضا وعندما كنا نحضر لمؤتمر الشباب العربي في فترة الثمانينيات، الجميع انشغل بهمة في التنظيم وتسيير الأمور وكان مكان المؤتمر فندق عمون والذي كانت إدارته تتبع لوزارة التربية والتعليم، يومها كنا نجلس معه ونناقش الكثير من الإجراءات، وأذكر اني قلت له: أطمئن أستاذنا سوف نبيض وجهك، ساعتها ومع لحظات التعب، ابتسم وعلت ضحكته، وقال: يا فواز ذلك صعب بل ومستحيل، حبسنا أنفاسنا، وأدرك بفطرته ذلك، فبادر بابتسامة أخرى موضحا: «أنا عبد أسود ولن تستطيع تبييض وجهي».
وبالطبع صدفة مميزة كانت مع بداية عام 1981 عندما بدأت الكتابة في جريدة الرأي وفي منبر الرأي، كان رحمه الله من القائمين على منبر الرأي وكم تعلمت منه الصبر الجميل وعدم التسرع في نشر المقال والانتظار طويلا إلى أن تمرست واصبح ظهور مقالي منتظما فيها وحتى الآن والحمد لله.
قبل فترة ليست بالقصيرة، صادفته في مسجد في منطقة الشميساني يصلي بهدوء ووقار، سلمت عليه وظهر عليه التعب، إلى أن علمت بمرضه ومعاناته واليوم صدمت بخبر رحيله عن الدنيا إلى دار الحق.
الحديث المختصر والحزم لدرجة الشدة واللياقة البدنية والأناقة الشخصية ورياضة المشي جزء من صفات مميزة للمرحوم الأستاذ عبدالله الحجازي، ولعل القدوم مبكرا للوظيفة والمشي في قاعة الاجتماعات والتسبيح وذكر الله ما تزال عالقة في ذهني عندما كنت أشاهده في قاعة الاجتماعات الرئيسية في وزارة التربية والتعليم يدور حول طاولة الاجتماعات أو المشي على سطح مبنى جريدة الرأي القديم أو المشي من جريدة الرأي إلى مسجد الروضة.
فعلا بقيت المسافة بيننا وبين الأستاذ عبدالله حجازي، هي ذات المسافة بين الأستاذ والتلميذ؛ نتعلم منه الكثير والعديد وخصوصا عندما كان يجمعنا مع سمو الأمير الحسن أطال الله عمره في مكتبه، علمنا الكثير وكيفية التعامل مع البروتوكول في حضرة سمو الأمير والتحدث في مجلسه، وتلك كانت أياما ذهبية من عمر المنتدى الإنساني الأردني والذي تشرفنا جميعا برئاسة سمو الأمير الحسن للمنتدى وتوجيهاته التنموية.
يرحل الحجازي عبدالله، فارسا شهما وأصيلا، عانى الكثير مع الحياة وصبر وكافح وعمل في مجال التربية والتعليم والصحافة والإعلام دون توقف إلى أن قرر التقاعد، وأجزم أن الأستاذ عبدالله حجازي – رحمه الله – خرّج مجموعة من الصحفيين والكتاب من خلال مدرسة الرأي وعلى مدى العقود التي مرت مسرعة هي الأخرى مثل الرحيل.
يرحل أبو أحمد وقد ترك رصيدا من الأصدقاء المخلصين له ومجموعة كبيرة من تلاميذه على مدى العالم وفي ذاكرة مقصه الجميل حين كان يتجول في مطبعة الرأي ليقوم بإنتاج صفحات الجريدة ويعود لمكتبه بكل ثقة أن عدد اليوم الجديد سوف يظهر كما يريد.
وداعا أيها الحجازي عبد الله، رحلت إلى دار الحق وإلى جوار ربك راضيا مرضيا بإذن الله، ونسأل المولى أن يجمعنا بك في رياض الصالحين بجنان النعيم.